كتب في 7 مارس 2011
معالي رئيس الوزراء,
بعد التحية,
في البداية أود أن أتوجه لحضرتكم بخالص الشكر لأنك إن كنت تقرأ هذه الرسالة, فهو دليل على اهتمام حضرتكم بالاستماع للمواطنين. وهو ما افتقرنا اليه لفترة كبيرة من الازدراء لشكاوى ومقترحات الشعب,على السواء, وتهميشها بل وأحيانا التعالي عليها.
وأود أيضا أن أوجه لحضرتك جزيل الشكر على اللفتات التي تقوم بها و التي –رغم بساطتها- لها من المغزى والقيمة الكثير. فخطبة ميدان التحرير وعرض أسماء الوزراء على الفيسبوك قبل حلف اليمين وفتح باب المقترحات وسماع مشاكل المواطنين هي من الأشياء التي جعلت قطاعات كبيرة منا تشعر بقيمتها وأن كراماتها محل احترام سيادتكم. أرجو من حضرتكم الاستمرار في هذا النهج الذي يشعرنا بأنك شخص عادي ممن نصادف في أي مكان أثناء حياتنا اليومية ولم تهبط علينا من كوكب أخر.
لكي لا أطيل على حضرتكم وأستقطع من وقتك الثمين, فإني أتمنى من حضرتك القراءة والتفكير في المقترحات الآتية. وهي عبارة عن بعض الأفكار والمشاريع التي كانت تطرق تفكيري بشكل متواصل. عزفت عن الشروع في تنفيذ بعضها لليأس ورهنت تنفيذ البعض الأخر بعودتي للوطن الحبيب. وذلك لكوني طالب ماجستير أشارف على الانتهاء من دراستي بمعهد الدراسات السياسية (Sciences-Po Aix) في فرنسا.
المقترحات التي أتقدم بها لحضرتكم هي الآتي:
1- تأسيس مركز لتقييم السياسات العامة والحكومية. وهو علم مزدهر في أمريكا وأوروبا, يقوم على منهجيات لقياس كفاءة السياسات المطروحة في مجال معين ومدى تحقيقها لأهدافها وتطابقها مع مبادئ الحكم الرشيد والشفافية, فضلا عن تقييم تكاليفها المادية وفاعليتها. هذه المراكز لا تقوم بدراسات الجدوى ولكنها تقوم بالتقييم المتواصل خلال الفترة الزمنية المقترحة لتطبيق السياسة. من المفترض أن مثل هذا العمل يدخل في اختصاصات مركز دعم القرار التابع لمجلس الوزراء, وفقا لتوصيفه. ولكن وفقا للدراسات المنشورة على موقعه, فهو لم يقم بدراسات لتقييم السياسات العامة (كل ما يؤثرعلى الحياة العامة حتى لو قامت به شركات خاصة أو جمعيات غير حكومية أو مؤوسسات خاصة) والسياسات الحكومية.. بغض النظر عن الدراسات التي اتطلعت عليها والتي تفتقر الى بعض القواعد البحثية الهامة كعلى سبيل المثال استعمال موقع كويكيبديا كمصدر من المصادر –بل أولها- (http://www.idsc.gov.eg/Upload/Documents/213/Corruption.pdf) وغيرها من بعض المشاكل المنهجبة التي تضعف من الأبحاث القيمة. بغض الطرف عن هذا فإن الأهم هوأنه في حالة قيام هذا المجلس بدراسات الجدوى والتقييم في آن واحد فإن هذا يتعارض مع مبادئ الشفافية ويعطي فرصة للفساد لأن الحكم يحكم على أفعاله بنفسه.
خلال فترة دراستي لهذا العلم, فقد أدركت أنه دائم التطور بتقديم علماؤه لتكنيكات ووسائل قياس كيفية وكمية حديثة تساهم في تصحيح مسار السياسات والزيادة من انتاجيتها وهو ما ينعكس بدوره على مراحل صناعة القرار وكذلك على التنفيذ. وأنا متأكد من وجود علماء نوابغ مصريين برعوا فيه سواء داخل أو خارج مصر, ويمكنهم المساهمة في مثل هذا المركز.
2- إدارة / هيئة تحديث الدولة: الدولة المصرية بمؤوسساتها تحتوي على بعض عناصر الترهل وعدم الكفاؤة, خاصة على مستوى الخدمات اليومية للمواطنين وقضاء المصالح. ولذا فمن المهم العمل على تحديث هذا الكيان العظيم من الناحية المؤسسية وتطوير عقيدته وأداؤه سواء على مستوى خدمة المواطنين أو السياسات العامة. بعيدا عن كلام الانشاء, من الممكن العهود لهذه الهيئة بتنقيح القواعد الادارية, التي كثيرا ما يعجز الموظفين أنفسهم عن فهمها أو تقدير أولوياتها. وكذلك يمكن العهود إليها بدور في توحيد أنظمة المحاسبات وإدخال نظم المعلومات والشبكات إلى سائر الهيئات الحكومية وإدخال الأراشيف الرقمية وغيرها من عناصر التطوير والتحديث.
3- إلغاء الحصانة البرلمانية. أعتقد أن من أهم أماكن تزاوج المال والسلطة مجلسي الشعب والشورى الذي كان يتصارع علي مقاعدهما كثير من المرشحين من أجل الحصول على الحصانة. وفي الحقيقة, أنا أعتقد أن في هذا المبدأ الكثير من الظلم وعدم الاستقامة, رغم اعتماده في كثير من دول العالم. ففكرة أن ممثل الشعب يفضل عن الشعب ويعصم عن المحاسبة بهذه الطريقة تنتفي مع مبادئ العدل. ولذا أقترح على حضرتك العمل على إلغاؤها على مستوى الوزارات غير السيادية ونواب غرفتي البرلمان. فبذلك يمكن تصفية راغبي الترشح من الانتهازيين والفسدة ويدرك الجميع أن نيابة الشعب في البرلمان خدمة وتضحية وليست ميزة ومكافأة.
4- مرصد الأداء البرلماني. هو مركز خاص لتقييم أداء البرلمانيين بشكل خاص والمجلس بشكل عام. أرى أن دوره ينبغي أن يكون رصد وتقييم وتحليل والاهتمام بمدى مشاركة النواب في الجلسات وعملهم من أجل دائرتهم خارج الجلسات. وكذلك عمل تصنيف للقضايا المثارة ومشاريع القوانين وتحليل للخطاب ودور المجلس بشكل عام في مرحلة زمنية معينة, غالبا ما تكون الدورة البرلمانية. بالطبع أتفهم لو أن حضرتكم وجدتم أن هذا المقترح يخص أكثر المجتمع المدني من الجكومة ولكني أيضا فضلت طرحه على حضرتكم, عسى تنفيذه قد يكون ممكنا ومفيدا.
5- أكاديمية إعداد للعاملين بالمحليات في إطار تطبيق اللامركزية. في ظل الاتجاهات العالمية للامركزية والتي بدأت منذ ثمانينيات القرن الماضي, عكفت الحكومات المتوالية في مصر على انتهاج هذا النهج بكل مميزاته ومساؤه. أنا لا أعرف موقف حضرتكم من الامركزية ولكني سأظل أقدم الاقتراح. عانت المحليات في مصر في الفترة السابقة من الفساد الرهيب مما جعلها تستحق اللقب الصحفي "مافيا المحليات". ومع الشروع في اللامركزية (سواء بالاعتراف بها في القوانين و الدستور أو على المستوى التنفيذي), يمنح الأفراد القائمين عليها استقلالية أكبر في التعامل مع الموارد المالية من أجل تحقيق كفاؤة أعلى في بناء الخدمات والاستجابة للمطالب المحلية. إلا أن مرحلة الانتقال والتحول من المركزية للامركزية شهدت كوارث ادارية ومالية فادحة في الدول المتقدمة والنامية على السواء. وبناءا على دراستي للحالة الفرنسية, فكثير من المشاكل كان نابع من عدم الاحترافية أكثر منه الفساد. فكان عدم تدرب العاملين والمرشحين المحليين سابقا على الادارة المستقلة وجهلهم بالقواعد الأساسية للمالية وقوانين المحليات هو أكبر سبب في حدوث مشاكل كبيرة عند تطبيق اللامركزية. وهو ما حذا بالدول الساعية للامركزية بانشاء أكاديميات خاصة للعاملين وراغبي العمل في المحليات. فلا يمكن لمن تعود أن تملي عليه الدولة كل صغيرة وكبيرة أن يدير موارد بشكل مستقل بكفاؤة. وهو ما تكشفه هيئات مكافحة إهدار المال العام والفساد بعد فوات الأوان.
6- رغم أن ربنا والحمدلله لم يبتلينا بحرب أهلية إلا أن نصيبنا من مشاكل كالاعتقال والتعذيب ليس بقليل.وللأسف لهذه المشاكل أثر دائم على ضحاياها يطول من حولهم وقد يصل إلى مقت الوطن بأكمله وبالتالي المشاركة في الاضرار بمصالحه. ونتيجة لبشاعة مثل هذه التجارب كما يرويها أصحابها (http://www.youtube.com/watch?v=fCGulTRsfEY) فأقترح على حضرتكم عمل لجنة قومية لإعادة تأهيل وإدماج هؤلاء الضحايا ومنحهم مميزات تعويضية عن تجاربهم السابقة كالتأهيل النفسي والمهني ومحاولة ادماجهم في وظائف مع استكمال المتابعة النفسية. لقد عاينت مثل هذه التجربة مؤخرا أثناء بحث ميداني قمت به في جنوب السودان وأدركت مدى أهميته للجنود السابقين والضحايا على السواء.
لقد أنتهيت من المقترحات ولكن لي رجاء عند حضرتك رجاءا أخيرا وهو توصيل رسالة صغيرة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة. وهي أني أهيب به, كما يهيب بشباب مصر دائما, التسارع في أخذ ردود الأفعال الواضحة الصارمة المعلنة, ليس فقط على الصعيد الأمني ضد البلطجية ولكن ضد ذيول الفساد من مؤوسسات الدولة ورجالها السابقين وكذلك أبناء الشعب. لأن تباطؤه ولواعانه في بعض الأحيان لا يثير الشك ويقسم الصفوف فحسب بل يترك فراغ يملؤه الفوضوين ومشوهي الثورة والخارجين عن القانون, وكله تحت اسم وعباءة الثورة. فهذه الثورة, التي تابعتها منذ أولى ساعتها والتحقت بها في أسبوعها الثاني, لم تقم ليتصدرها مثل هذه المظاهر (http://www.youtube.com/verify_age?next_url=http%3A//www.youtube.com/watch%3Fv%3Dl31CZ-Okfvw ) وإني أكاد أجزم أنه ليعزعلى نفس أي وطني عاقل, وعلى رأسهم سيادتكم, أن تشوبها مثل هذه التجاوزات.
سأكون ممنونا لو أعلمتني بوصول الرسالة, حتى ولو لم ينفذ من المقترحات أي شئ.
أتوجه لحضرتك بجزيل الشكر وأتمنى لك كل التوفيق في العبور بمصر من شاطئ المتطلعين للتقدم إلى شاطئ المتقدمين فعلا.
أحمد حسن أبوطالب
طالب ماجستير بمعهد الدراسات السياسية في فرنسا(Sciences Po Aix)
No comments:
Post a Comment